Booker Prize Winner - 2009
Dr.Youssef Ziedan
د/ يوسف زيدان
ABOUT ME
د. يـــــــــــوسف زيــــــــــدان
يوسف زيدان روائي مصري ، نال مكانة دولية مرموقة و ترجمت أعماله لقرابة ثلاثين لغة ، صدرت عن كبريات دور النشر العالمية و نالت عددا من الجوائز الكبرى.
أشهر أعماله الروائية رواية عزازيل التي حققت أعلى نسبة انتشار في تاريخ الأدب العربي
( صدرت منها في السنوات الخمس الماضية 32 طبعة رسمية ( قرابة ثلاثمائة ألف نسخة ) و مالا حصر من الطبعات المزورة
. أيضا من أعماله الروائية الشهيرة و التي بدأها برواية ظل الأفعى عام 2006، ثم رواية " عزازيل" 2008 و التي تدور أحداثها في القرن الخامس الميلادي ما بين صعيد مصر والإسكندرية و حلب ، في الفترة التي تلت تبني الإمبراطورية الرومانية للديانة المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية ، و تستعرض الرواية من خلال حياة الراهب " هيبا" الصراع المذهبي الذي نشأ بين آباء الكنيسة من جهة، و الصراع الآخر الذي وجد بين المؤمنين الجدد بالديانة المسيحية و المؤمنين القدامى بما يسمى الآن بالأديان الوثنية و التي بدأت تتراجع من جهة أخرى. و قد فازت رواية عزازيل عام 2009 بالجائزة العالمية للرواية العربية ( بوكر ، العربية ) كما صدرت له رواية النبطي 2010 و رواية محال و تابِعتها رواية جوانتانمو 2013.
ولد يوسف زيدان في صعيد مصر و لكنه نشأ في مدينة الإسكندرية و التحق بجامعتها العريقة و حصل على على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب عام 1980 ثم على درجة الماجستير في الفلسفة الإسلامية1985 ثم على درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية 1989و نال درجة الاستاذية في الفلسفة سنة 1999
اشتهر يوسف زيدان، المفكر و الفيلسوف، بأعماله البحثية و العلمية مثلما اشتهر بأعماله الروائية؛ فله أبحاث عدة في التراث العربي المخطوط وعلومه؛ كما صدرله العديد من المؤلفات والأبحاث العلمية في الفكر الإسلامي والتصوف وتاريخ الطب العربي مثل اللاهوت العربي و أصول العنف الديني 2010 و دوامات التدين 2013 و متاهات الوهم 2013. و من أعماله التي أخرجها في مجال التصوف الإسلامي والفلسفة الإسلامية :"شرح مشكلات الفتوحات المكية لابن عربي، "عبد الكريم الجيلي فيلسوف الصوفية"، و"الفكر الصوفي عند عبد الكريم الجيلي"و "ديوان عبد القادر الجيلاني" و"عبد القادر الجيلاني باز الله الأشهب". كذلك ، له العديد من الكتب في تاريخ العلوم العربية بخاصة الطب والنقد الأدبي وفهرسة المخطوطات العربية عمل يوسف زيدان مستشاراً للعديد من المنظمات الدولية ، و ألقى محاضراته العلمية في عديد من دول العالم
*********************************************
المؤهلات الأكاديمية
ليسانس آداب / قسم فلسفة جامعة الإسكندرية 1980.
ماجستير فى الفلسفة الإسلامية ، جامعة الإسكندرية عام 1985
(عنوان الرسالة: الفكر الصوفى عند عبد الكريم الجيلى، دراسة وتحقيق لقصيدة النادرات العينية للجيلى مع شرح النابلسى) بتقدير: ممتاز.
دكتوراة فى الفلسفة الإسلامية ، جامعة الإسكندرية عام 1989
(عنوان الرسالة: الطريقة القادرية فكراً ومنهجاً وسلوكاً، دراسة وتحقيق لديوان عبد القادر الجيلانى بتقدير: مرتبة الشرف الأولى.
درجة الأستاذية فى الفلسفة وتاريخ العلوم (ديسمبر 1999) بإجماع لجنة الترقيات بالمجلس الأعلى للجامعات .
*************************************************************************
الخبرات السابقة
جامعة الإسكندرية (الفترة من عام 1992 إلى عام 1997)
دريس الفلسفة الإسلامية وتاريخ العلوم بكلية الآداب
عمل مستشاراً لمشروع المخطوطات بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء المصرى(الفترة من يوليو 1994 إلى يناير 1998
أشرف على سلسلة كتب الفلسفة والعلم التى تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وزارة الثقافة المصرية
أصدر فى هذه السلسلة : قضايا العلوم الإنسانية؛ إشكالية المنهج ، عقل جديد لعالم جديد ، قضايا العلوم الإنسانية إشكالية المصطلح ، تنمية الذكاء الإنسانى، فلسفة الرياضة ، حى بن يقظان .
عمل مشرفاً ومديراً لتحرير مواد الفلسفة وتاريخ العلوم بموسوعة الشروق التى تصدرها دار الشروق بالقاهرة .
صدر منها الجزء الأول. * قام خلال السنوات العشر الماضية (منذ مطلع التسعينيات) بفهرسة ما يقرب من 18.000
(ثمانية عشر ألف مخطوطة) موزَّعة على مكتبات مصر :
بلدية الإسكندرية ، جامعة الإسكندرية ، مسجد أبى العباس المرسى ، بلدية دمنهور المسجد المحلى برشيد ، بلدية شبين الكوم ، دار الكتب بطنطا ، المسجد الأحمدى بطنطا ، المعهد الأحمدى بطنطا ، مكتبة رفاعة الطهطاوى بسوهاج.
أَشْرَف على سلسلة كتب تراثنا التى تصدرها دار الأمين ومطابع سجل العرب بالقاهرة .
أصدر فى هذه السلسلة : التراث المجهول - حديقة الحقيقة، لسنائى ، ترجمة د. إبراهيم الدسوقى شتا - حقيقة العبادات عند ابن عربى ، تأليف د. كرم أمين أبو كرم - ابن القَطَّاع الصقلى ، تأليف د.محمد أحمد عبد الدايم .
عَمِلَ مستشاراً للتراث والمخطوطات ومشرفاً على قسم المخطوطات والكتب النادرة بمكتبة الإسكندرية (الهيئة العامة لمكتبة الإسكندرية ، مشروع إحياء مكتبة الإسكندرية القديمة) وأميناً للتزويد بالمكتبة منذ عام 1994 .
عضوية الجمعيات والهيئات العلمية
عضو الهيئة الاستشارية لمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة (جامعة الدول العربية)
.عضو لجنة الإشراف والمتابعة لإقليم وسط وغرب الدلتا (الهيئة العامة لقصور الثقافة)
عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لتاريخ العلوم
عضو مجلس الثقافة بمحافظة الإسكندرية ، ومقرر لجنة العلوم الاجتماعية بالمجلس
عضو اتحاد كُتَّاب مصر
عضو الجمعية الفلسفية المصرية
عضو الجمعية العالمية لإحياء التراث الإسلامى - مصر
عضو الجمعية العالمية لتاريخ الطب - باريس
عضو هيئة الفنون والآداب والعلوم الإجتماعية بالإسكندرية
عضو مجلس إدارة ومقرر لجنة العلوم الإجتماعية 1994: 1996
عضو اللجنة القومية لتاريخ وفلسفة العلوم - أكاديمية البحث العلمى
عضو اللجنة العليا للمعلومات والاتصالات
عضو مجلس إدارة مركز دراسات التراث العلمى - جامعة القاهرة
عضو اللجنة المصرية الدائمة للمخطوطات
********************************************************************************
شهادات المعاصرين
فيما يلى مختارات مما كتبه أهل الزمان عن يوسف زيدان وأعماله، وهى شهادات لكتاب أحسنوا الظن بنا ، وقد أردفنا مع كل شهادة موضع نشرها . فمن ذلك :
تراث يوسف زيدان
محمد مستجاب (جريدة أخبار الأدب 25/12/1994)
التراثيون نوعان: واحد يقودك لعالم التراث فيجعلك تكره أهلك وتكره اليومَ الذى فكَّرت فيه أن تقرأَ شيئاً من التراث، ونوع آخر يقودك في رفقٍ عصري، ويسير أمامك مضيئاً لجوانب من التراث واسعةٍ ومتألِّقةٍ، حتى تكاد ترفض أن تعود للمعاصرة، بل وتكشف أنَّ التراثَ هو الروضة اليانعة التى تحرِّك العقل والوجدان، وهو القوَّةُ الكامنة حول تحرير الفكر الإنساني الحقيقي في كلِّ العصور.
من الطراز الثانى يوسف زيدان، والذى اعتقدت لأسبابٍ وهميَّة كثيرة: أَنه عجوز يريح شيخوخته في ظل التراث محتميًا بالماضى من تدابير وأعاصير الحاضر، وأن هذا الشيخ يوسف زيدان (أنظر لتركيب الاسم ذاته) أفنى عمره في الكتب الصفراء في استعداءٍ تام لكل فكرٍ عصري، وهكذا غرَّر الزمنُ بى حتى التقينا في الإسكندريَّةِ من أسابيع، شاب أنيق لم يستشرف الأربعين، واضح المعاصرة في المظهر واللسان واللمحات الذكيَّة الجادة (التى لا تخلو من إيحاءاتٍ ساخرة) بعدها وعندما عكفت على كتابه المتفِّرد: التراث المجهول ، إطلالة على عالم المخطوطات . ازددت ارتياحًا وحبًا، لماذا ؟ لأن يوسف زيدان قال فى مقدِّمة هذا الكتاب : وتراثنا لا يزال مجهولاً بحكم انعدام الخطَّةِ المنهجيَّة للتعرُّفِ به، وذلك لأنه بعد انقضاء الفترة النشطة في نشر التراث، أيام كانت مطابع بولاق الرائدة تخرج أمهات الكتب التراثيَّةِ ، ومنها دائرة المعارف العثمانيَّة بحيدر أباد، والجمعيات العلميَّة العربيَّة والاستشراقيَّة، وأعلام الرجال المتحمسين للتراث ونشره .. صار نشر التراث اليوم عملاً تجارياً لدى دور النشر، دعائياً لأصحاب الأغراض، غثا لدى المرتزقين من متأخرى المحققِّين، رديئاً فى ثوب طباعته، ويستثنى يوسف زيدان القليل مما أصاب به هذا الحكم، لأنَّ الغالب الأعمَّ هو فوضويَّات نشر التراث، واستخدام هذا النشر فيما لا يحرِّر العقلَ من ربقة هيمنةٍ للثقافة الصفراء عليه.
وكتاب التراث المجهول يكشف عن اجتهادات الأجداد في المجالات العلميَّة المختلفة، اجتهادات فيها الكثير من الصواب، وفى بعضها الكثير من الخطأ بحكم روح العصر المنتمية إليه، لكنَّك- فى كلِّ الحالات- لا تمنع نفسك من الإحساس الدَّافقِ بالسعادة والحبور (إلى حدِّ المرح والسرور المعلن) اقرأ ما يكشفه الدكتور يوسف زيدان فى مخطوطة طبيَّة لابن المطران (تُوفى في القرن الثانى عشر أى منذ ثمانية قرون) عن آرائه وعلاجاته لليرقان واختلاط الذهن الدائم بالحمَّى والصداع : انظر الصداع فى وضع عظام الرأس فإنَّها كثيراً ما تكون مسفطة أو حادَّةً أو مستطيلة، وكثيراً ما تُحدث هذه الأوضاعُ سيلانَ المواد من الأذنين أو من العينين. وإلى ذلك من حكاياتٍ عن كيفيَّة تشريح قلب حيوان (في بيت يكون هواؤه حارّاً) وعلاج الناصور وكيفيَّة اقتلاعه جراحياً.
ثم تتتالى المخطوطات المجهولة طبيَّةً ، وفلكيَّةً ، وفنون عسكريَّة، وكيميائيَّة، وصوفيَّة، وأدبيَّة، وتاريخيَّة، وفي أصول الغناء، وفى صورة الأرض، وفى الفلسفة والمنطق .. وغير ذلك من صنوف المعرفة، يعرض لها يوسف زيدان فى ودٍّ صريح وكشف صريح، يساعده علي ذلك ثقافة واسعة وشاملة، درس خلالها وكشف عن أغوار الماضى وقدرته الفائقة على إدراك فوضى ثقافة الحاضر، متمثِّلةً فى 17 كتاباً بين مُحقَّق ومُؤلَّف، منذ عام 1987 أى قبل حصوله على الدكتوراه في الفلسفة الإسلاميَّة من جامعة الإسكندريَّة 1989 وحتى الآن.
وأعرف أنَّ كثيرين ارتادوا هذا الحقل غير هذا الباحث، لكنه سيظل أكثرهم بشراً وتفتُّحاً، وتألُّقاً أيضًا
التراث المجهول
سعد القرش (الأهرام المسائى 29/11/1994 )
فى كتابه الجديد (التراث المجهول) يتساءل الدكتور يوسف زيدان: هل التراث مجهول ؟ والإجابة الأقرب إلينا، بعد طول الحديث والكتابة (عن) التراث، مع التوصية باستبعاده أو دراسته أو استئناسِه أو نفيه أو محاكمته، هى: لا.
إلاَّ أنَّ المؤلف يؤكِّد، بالأدَّلة، أنَّ تراثنا لا يزال مجهولاً، بحكم الواقع الإحصائي، وبحكم الوعى به، وبمنطق التعامل معه، وبحكم اغترابنا عنه.. حيث: مَرَّ التراثُ العربي بمنحنياتٍ كثيرة وارتفع وانخفض مع معدَّلات التحضُّر، ولم يعرف ثبات الأحوال، لكنَّه لم ينقطعْ .. حتى جاءت الحملةُ الفرنسيَّة، ومن بعدها الاستعمار، فَلَوَت أعناق الأجيال الجديدة- بقوَّةٍ- بعيداً عن تراثها المتصل، موجهةً لها- بنفس القوَّة- نحو سياق الحضارة الغربيَّة المعاصرة، فكان ما كان من تقسيم لدول الإسلام وفقاً لأغراض الغرب، وتحقير التراث .
وبهذا الكتاب، تبدأ دارُ الأمين نشر سلسلة تراثنا ويقع الكتاب، الذى اختار له المؤلف عنواناً فرعيّاً هو إطلالة على عالم المخطوطات فى ثلاثين فصلاً، فى شتى العلوم والفنون والمعارف الإنسانيَّة، بهدف تقريب التراث منَّا، أو تقريبنا إليه.. كما يهدف أيضاً، من وراء ذلك، إلى وضع نموذج سابق، لعلَّه يجعلنا نعيد النظر في طريقة التعامل مع الحضارة الغربيَّة المعاصرة.
التراث المجهول
شوقى جلال (مجلة أكتوبر)
هذا كتاب من طراز فريد طالما تطلَّع إليه القارئ أو المثقَّفُ الواعى. إنه نموذج يهدف إلى تيسير ثقافة الماضى، ومحاولة لاستعادة بعض الذاكرة الاجتماعيَّة التى طمستها أحداث التخلُّف والتحلُّل داخل المجتمعات العربية والإسلاميَّة، وأحداث الاستعمار الوافدة من الخارج. إنَّه ببساطةٍ وإيجاز كما يقول المؤلف: محاولة علمية جادَّة، صادقةٌ ومضنية فى آنٍ واحد، من أجل الوعى بالماضى وفهم الحاضر واستشراف المستقبل.
الكتاب يحمل عنوان التراث المجهول ، إطلالة على عالم المخطوطات صدر عام 1994 ضمن سلسلة تراثنا وهى سلسلة جديدة بدأت إصدارها دارُ الأمين للنشر ، القاهرة. والمؤلِّف هو الدكتور يوسف زيدان أستاذ التصوُّف الإسلامى بجامعة الإسكندريَّة. له أكثر من سبعة عشر كتاباً ما بين تأليفٍ ودراسة وتحقيق .. تُشكِّل فى مجموعها ملحمةً ثقافيَّة علميَّة الطابع والهدف تشهد لصاحبها بعمق الفكر، وأصالة الجهد، وعلمية المنهج، ونزاهة الغرض، وموضوعية التناول وصدق الحب لفنِّه وتخصُّصِه .
إنَّ عالم التراث والمخطوطات يبدو على ألسنة عامَّةِ المثقفين من نوعية عالم الغيب. يسرفون فى الحديث عنه ولا يُحيطون بشئٍ من علمه، فهم غرباء عليه فكراً ونقداً ودراسة وتحليلاً، وهو غريب عنهم حجبته قرون الجهالة والاستبداد والجمود الفكرى فاستحال إلى أسطورةٍ سقط عنها العقل والوعى الإنسانيٍ المبدع. وبعد أن كان على أيدى أصحابه فى عهود الازدهار الفكرى منارة هادية لحركة المجتمع وقوة دافعة لزخم ثقافى ثرىٍّ خصب، وإسهاماً إنسانياً حضارياً جعل أبناء أوروبا يرددون المثل السائر فى العصور الوسطى "كلَّما اتجهت جنوباً اقتربت من منهل العلم والحضارة".. بعد هذا كلِّه أصبح التراثُ عبارةً غائمة، وتعويذة كليلةً؛ وأضحت المخطوطات كلمةً يعزُّ على المثقَّف العام أن يعقل مدلولها. ونادراً ما نجد مثقَّفاً عاماً اكتحلت عيناه بأحد المخطوطات، تأملَّه بفكره واستعاد ذكرياتٍ عن أمجاد الماضى وظروفه وأسبابه .
لهذا كلِّه يصحبنا المؤلفُ فى كتابه هذا ذى القيمة الرائعة في رحلةٍ ممتعة تمتدُّ إلى جوانب التراث العربي والإسلامى كافةً ليقدم على طول صفحاته التى جاوزت ثلاثمائة وخمسين صفحة ثلاثين مخطوطةً من ذخائر تراثنا المجهول المنـزوى فى الخزائن الخطيَّة ، انتظرت عقوداً بل قروناً الباحثين ليستخرجوا الدُّر المكنون فيها، وليستبينوا الشروط الوجوديَّة للإبداع، وهى التى تكشف فى مجملها عن العبقريَّة العربيَّة في تجلياتها المتعددة، وتثير الكثير من القضايا المتعلِّقةِ بمفاهيم التراث وتصحِّح جملةَ أفكارٍ خاطئة استقرَّتْ فى وعينا المعاصر دون سندٍ علمى.
لماذا الترُّاث المجهول ؟
ولكن لماذا عنوان التراث المجهول يقول المؤلِّفُ ذلك لأنَّ إحصاءَ ما نُشر من تراثنا- مُحقَّقاً أو بدون تحقيق- ومقارنته بما لم يزل مخطوطاً، وبما ضاع مع الزمان؛ يدلُّ على أنَّ نسبةَ المنشور المعلوم من التراث لا يزيد على خمسةٍ بالمئة من مجموع التراث، أو أقلَّ من ذلك.. ثم يُضيف: وتراثنا لا يزال مجهولاً بحكم الوعى به.. وتراثنا لا يزال مجهولاً بحكم منطق الإلغاء والتغييب، هذا المنطق الذى ساء وأباد النظرة الموضوعيَّة للتراث.. وتراثنا لا يزال مجهولاً بحكم اغترابنا عنه.. وتراثنا لا يزال مجهولاً بحكم انعدام الخطة المنهجيَّة للتعريف به.. على هذا النحو صار التراث مجهولاً، وعلى ذلك اخترتُ عنوان الكتاب.. فهل سيظلُّ التراث كذلك ؟ .
ويقع الكتاب فى ثلاثين فصلاً، متباينة الطول حسب مقتضيات التعريف بالنصِّ ومؤلِّفه، وما يدور حولهما من أفكار. وتهدف جملة فصول الكتاب إلى إلقاء نظرةٍ عامَّةٍ على التراث من خلال الجمع بين مخطوطاتٍ من شتئ العلوم والفنون. ومن ثم جمع الكتاب بين دفتيه تعريفًا وعرضًا موجزاً قيِّمًا ووافياً بثلاثين مخطوطة في فنون مختلفة: كالطب والفلك والكيمياء وعددها أكثر من مخطوطات أخرى وردت في الكتاب عن المعارف الدينيَّة والأدب والتصوُّف.. وغلبة العلوم لا تأتى انحيازًا بل استيفاءً لنقصٍ شائع نظراً لأنَّ الاهتمام منصبٌّ دومًا على التراث الدينى حتى ظنَّ البعضُ خطأً أنَّ التراث هو ما تضمنته الكتب الدينَّية دون سواها.
ومن مَيزات هذا الكتاب نادر المثيل أنَّ بعض الفصول تتعرَّض لأمورٍ لم تُطرح من قبل، وفيها من التراث المخطوط ما لم يُكتب عنه قبلَ ذلك سطرٌ واحد، ومن الشخصيَّات التراثية مَنْ طواهم الزمان وسها عنهم المعاصرون .
والإطلالة على المخطوطات تعنى أنَّ نتعرَّف على الكثير من ذخائر التراث العربي المنـزوى في الخزانات الخطية، يشكو الإهمالَ ويتهدَّده الفقر وتتصرَّف فيه يدُ الزمان ، ونعنى كذلك أن نعى التراث وعيًا موضوعيًّا علميًّا وأن نتمكنَ من قراءة التراث قراءةً صحيحة تكشف عن حقيقة تكوين العقليَّة العربيَّة الإسلامية، ونتلمس ملامح شخصيَّتنا الحضاريَّة وأن نفهم الماضى من حيث هو ظاهرةٌ وجوديَّة مشروطة، ونبرأ من مرض الرُّجْعَي أو الحنين إلى السلف فكراً وعصراً وحياةً وكأنَّنا نتشوَّق إلى الانسلاخ عن أسباب وشروط وجودنا.. وإنَّما الحياةُ امتداد وتجدُّد فى إطار الفعالية الإبداعيَّة المتنوعة .
وفصول الكتاب مرتَّبةٌ على حسب التسلسل الألفبائىِّ لعناوين المؤلفَّات الثلاثين، وأغلبها مؤلَّفاتٌ مخطوطة لم تنشر من قبل. وحتى تكتمل متعة الرحلة لتكونَ متعةً ذهنيَّة وبصريَّة معًا زان المؤلف كتابه بعديد من اللوحات المصوَّرة التى تعرض صفحاتٍ من المخطوطات يكتملُ معها الإحساس بالمعايشة الحيَّةِ؛ كما استهل الكتاب بحوالى ستَّ عشرةَ لوحةً ملوَّنة هى مجموعة من النماذج المزخرفة بديعة التلوين والتأطير المذهب والخطوط العربيَّة المختلفة. وهذه مجموعة انتقاها المؤلِّفُ من نوادر المخطوطات القرآنيَّة أراد بها أن تكون للقارئ وقفة تأمُّلٍ مع جماليَّات التراث العربي قبل الدخول فى رحلة الفصول الثلاثين.
صفوة القول إنَّ هذا الكتابَ ، حسب رؤية المؤلِّف، دعوةٌ للقارئ العام كى يتعرَّفَ على الجوانب الرحيبة فى التراث.. وللمثقَّف المعاصر كى يتفكَّر فى القضايا المطروحة بين الثنايا.. وللمحقِّقين الجدد كى يُقبلوا على نشر نصوص تراثية جديدة.. وللدارسين المتخصصين كى يتعمَّقوا فيما تضمَّنه المتن من موضوعات، ونضيف إلى مقولته ولكي يتزودوا جميعاً بحسٍّ صادق لمعنى وموضوع التراث، ولكى يزدادوا جميعاً عن ثقةٍ ووعى اعتزازاً بتاريخهم المجهول الذى ظلمناه بجهلنا به وتقاعسنا عنه، ولكى تمتدَّ جهودناً بحثاً وتنقيباً وتأويلاً إلى تراثنا في جميع الأحقاب الحضاريَّة منذ فجر الوعى الإنسان فى هذه المنطقة الموصوفة بحقٍّ بأنَّها مهدُ الحضارة.. نرفع عن تراثنا ظلماً وغبنا، ويكون لنا فى نهضتنا بفهمنا العلمي الإبداعي ساعد وأيد.
التراث المجهول
مهدى بندق (مجلة العربى – العدد 445 – ديسمبر 1995)
إنَّنا كأمَّة قد تعاملنا طوال عصورنا التاريخيَّة مع تراثنا بمنطق الإلغاء والتغييب . هكذا يستخلص المؤلِّف هنا حصيلة تجربته فى تحقيق مخطوطات التراث العربي . فهو عاشقٌ للتراث وله سبعةَ عشرَ كتاباً ما بين التأليف والتحقيق. والكتاب الذى بين أيدينا كرَّسه لتحقيق ونشر ثلاثين مخطوطةً نادرة أغلبها لم ينشر من قبل.
يبدأ المؤلف كتابه بمقدِّمةٍ يحدِّد فيها غاية البحث ومنهاجه مؤكداً خطأ "الانتقائيَّة" التى درجنا عليها أنظمةً وأفراداً فى تعاملنا مع تراثنا الغني، فالبلاد التى تتعامل مثلاً بالمذهب السلفي تُنكر مِن كُتب التراث إلا ما كان متصلاً بابن تيمية وسائر الحنابلة، ونُضيف نحن إلى قوله والأشعريَّة بوجه عام بتراثها الكلامى الذى يتوسَّط ما بين المعتزلة وبين أهل السنَّة. بينما يرى المؤلِّف أن البلدان التى تدَّعى التقدميَّةَ لا تتعامل إلا مع التراث الاعتزالى. وحتى الأفراد من الباحثين لا ينجون من هذه الانتقائية المتعسِّفةِ، فإذا أُعجب باحث بابن رشد رأيته يخاصم الغزالى، ويطالب الناس بألا يقرأوه بل ربما سُرَّ إذا رآهم يلعنونه! والنتيجة فيما يرى المؤلف أننا نجهل تراثنا فى مجمله ولا نعرف عنه إلا ما نرغب في معرفته بحكم ميولنا الثقافيَّة أو بحكم ما يراد لنا من قِبَل المؤسسات الثقافيَّة المهيمنة على تعليمنا وتربيتنا وهى مؤسسات محدودةٌ بحدود البراجماتيَّة والمذهبيَّة فيما نرى أيضاً. بيد أننا نود لو أن مؤلِّفنا يفرق بين معرفتنا الضرورية لمجمل التراث وبين نقدنا الضرورى أيضاً له، ذلك أن أحداً لا يمكنه أن يقبلَ فكر الجبريَّة من السُّنَّة أو بالأكثر فكرة الكسب من الأشاعرة وفى نفس الوقت يصادق على غايات المعتزلة التى تستهدف التركيز على حريَّةِ الإرادة الإنسانيَّة.
وينعى الدكتور يوسف زيدان- فى مقدِّمة كتابه المهمِّ هذا- غياب الخطة المنهجيَّة للتعريف بتراثنا من حيث إنَّ نشرَ هذا التراث فى الآونة الحالية لم يعد يخضع إلا للاعتبارات التجاريَّة أو الدعائيَّة ! ويطالب ملحاً بإنشاء هيئةٍ عربيَّة متخصِّصة تتولى مهام نشر التراث وتحقيقه. وهو ما يدعونا إلى تساؤلٍ جديد حول طبيعة هذه الهيئة المقترحة- ما دام الوطن العربى منقسماً على نفسه- وكيف ستنتصر لهذا الاتجاه أو ذاك إذا كان مبدأ الانتقائيَّة سيظل هو الحاكم بيننا.. فأما إذا أخذ برأى يوسف زيدان القائل إنَّ التراث كلَّه يشكِّل وحدةً واحدة لا تفاضل فيها بين جزء وجزء، لكنَّا قد انتصرنا لمبدأ الاستمرار الثقافي، فهل ينطبق هذا على عدم الانقطاع المعرفي وتظلُّ قضايا الفتنة الكبرى كالمنـزلة بين المنـزلتين وقدم القرآن أو حدوثه والجبر والاختيار هى قضيانا المعاصرة؟ أو ترانا سنقبل فحسب من تراثنا ما هو حىٌّ وصالح للتفاعل مع قضايا عصرنا مخلَّفين غير ذلك وراء الظهور وعندئذ نعود مَّرةً أخرى إلى مبدأ الانتقاء الذى ينعيه علينا د. يوسف ؟
أسئلة مهمَّة تنتظر حواراً واسعاً بين مثقَّفى الوطن العربي من حيث إنَّه قد آن لنا حسم هذا الخلاف والانطلاق بعده إلى بناء حضارة عربيَّة وإسلاميَّة جديدة لا تنقطع عن تراثها بالطبع وإنما ترتكز على ما هو إيجابىٌّ فيه مضيفةً إليه المبدع والجديد.
وتتصل رؤية المؤلِّف للتراث بمنهاجه فى تصنيف وترتيب المخطوطات، فما دام الحبُّ البالغ درجة العشق هو رائده فى التعامل مع المادة العلميَّة المتوافرة لديه، فإن مؤلفاً لا يسبق غيره ولا يتميز عنه سواء من حيث القيمة العلميَّة أو الشهرة أو التقدُّم زماناً أو التأخُّر. الكل سواسية كأسنان المشط، فابن النفيس لا يسبق مؤلفاً مجهولاً، وابن خلدون على مكانته الرفيعة يتأخَّر فى العرض داخل الكتاب عن مؤرخٍ تلميذ لابن حجر العسقلانى هو الشيخ عبد الوهاب بن عمر الحسينى، وحتى لم يشفع لابن خلدون أنَّه تُوفى في نفس العام الذى ولد فيه الحسيني.. لكنَّ المنهجَ الصارم عند مؤلِّفنا هو الذى دعاه إلى ترتيب المؤلفين التراثيين- داخل كتابه- وفقاً للترتيب الأبجدي متَّسقاً في ذلك مع رؤيته "العادلة" لكلِّ أعضاء المؤسَّسة التراثيَّة دون تفضيل لأحد. بل وربما قاده العدل يرافقه التبصر إلي إنصاف مؤلفينا المجهولين. ذلك أنه حين يُنصف مؤلفنا العربي "المجهول" فإنَّه بذلك إنَّما يؤكِّد فكرته الأساسيَّة التى تقول إِنَّ تراثنا مظلوم ومغيَّبٌ إلى درجة الإلغاء.. وأى إلغاء وأى تغييب وأى ظلم أشد من تجاهل أسم المبدع برغم روعةِ إنتاجه وبديع أعماله؟! ولكى يزيدنا د. يوسف شجناً على شجن، نراه يذكرنا بإنَّ حجمَ ما نعرفه من تراثنا المحقق والمنشور لا يزيد على خمسةٍ في المائة من مجموع الإنتاج التراثي! وهى حقيقةٌ صادمة ومروِّعة ومستفِّزة فى آن. ولأنَّ يوسف زيدان يعلم أنَّ الغوصَ فى أعماق اللجِّ التراثيِّ أمرٌ ليس سهلاً علي القارئ المعاصر فإنَّه ينتهج نهج الطبيعة ذاتها حين تغرى الناس علي التقدُّم إلى المياه العميقة بتدرُّجِها من رمال الساحل إلى التوسط ثم إلى ما هو أبعد .. فتراه يقدِّم مخطوطات صغيرة الحجم فى أول الكتاب يتبعها بمخطوطاتٍ متوسِّطة الطول منتهياً إلى الثالثة الأطول والأعمق
التكوين
التكوين : مجلة الهلال المصرية هى أقدم المجلات العربية وأطولها عمراً ، إذ يتوالى صدورها منذ العام 1892 من غير انقطاع حتى يومنا هذا .. وفى المجلة باب عنوانه (التكوين) يعرض فيه (المؤثرون) فى الثقافة المصرية ، بأقلامهم ، سيرة حياتهم بما فيها الوقائع (المؤثرة) فيهم . وقد نشرت فى هذا الباب ،
هذا المقال :* * * انظر إلى الوراء ، فينتابنى دوارٌ عاصفٌ ..ويبدو كل ما مرَّ ، كأنه فصول متتالية لمسرحية لم أكتبها ، ولم أدر بأحداثها مسبقاً ! دعونى أتذكر بدء الحكاية :الكبار والصغار يجرى على ألسنة عامة الناس فى بلادنا ، مَثَلٌ سائرٌ يقول يعملها الصغار ويقع فيها الكبار وهو أمرٌ كثير الانطباق على الوقائع .
ولكن (الواقعة) الأولى فى حياتى ، انطبق فيها عكس هذا المثل السائر ، فقد فعلها جدَّاى : جدِّى لأبى ، وجدِّى لأمى . كانا يختلفان كل الاختلاف ، مع أنهما -كلاهما- صعيديان .. لكن جدِّى لأبى (الحاج أحمد أمين) كان يعيش بالصعيد ببلدة العوَّامية (سوهاج) وسط أرضه الواسعة وأسرته الثرية - قبل قوانين الإصلاح الزراعى- متكئاً بجسمه الضخم على سمعة عائلته ومكانة والده وأعمامه ..
أما جدى لأمى فأصله من بلدة (طهطا) لكنه رحل عنها فى شبابه واستوطن الإسكندرية ، هرباً من ضيق العيش وتواضع البيت بالصعيد ، وصار صاحب مقهى فى مدخل غيط العنب (المنطقة التى نشأ فيها إدوار الخراط وجعلها مسرحاً لعديد من أعماله) وكانت لديه تجارةٌ ومشاغبات أدت لاعتقاله عدة مرات . وبعد زواج أبى وأمى بقليل ، اختلف الجدَّان .. كان كلاهما جبارٌ على طريقته ، وكانت النتيجة أننى بعد شهور من مولدى فى سوهاج (سنة 1958) أخذتنى جدتى لأمى لأعيش فى الإسكندرية (بدون فطام) وبعدها بعام ونصف ، لحقت بى أمى وفى بطنها طفلٌ هو الآن أخى الصغير (لم يعد اليوم صغيراً) وفى الصعيد استكمل أبى بقية زيجاته (تزوج ست مرات وأنجب عشرة) بعدما عاقبه أبوه بإرغامه على تطليق أمى ، لأنها حتى نجحت فى اقناعة بالذهاب معها إلى السينما بمدينة سوهاج ، فرأى جدى أن هذا الفعل الشنيع من هذه (الإسكندرانية) لايمحوه إلا الطلاق البائن . فعلها الكبارُ ، ووقع فيها الصغار ..
ونشأت فى الإسكندرية دون أن أزور الصعيد، إلا بعد دخولى جامعة الإسكندرية ، تحقيقاً لوعيد جدى لأمى الذى تحدَّى جدى لأبى فى أن يوصلنى للمرحلة الجامعية ، وكان الأخير يسخر منه ، ويستبعد نجاحه فى ذلك .. بيد أنه نجح، ودخلت الجامعة ، فجاء أبى ليصحبنى إلى الصعيد (وهى رحلة استمرت ثمانية وعشرين يوماً، تعمَّد أبى فيها أن أزور خلالها جميع الأولياء : من الإسكندرية إلى سوهاج). التصـوف كان والدى (محمد المدنى) قد صار فى زمن نشأتى بالإسكندرية صوفياً - بالمناسبة ، هو يعرف بين أهله بالمدنى ، لأنه كان أكثر أفراد عائلة (زيدان) تمدناً ورفاهية ، وكذلك كان جدى يعرف بلقب (أمين) لأنه كان يتولى ثروة العائلة غير المخصَّصة ، وهى الأراضى والأموال المعروفة باسم (الروك) .
وكان لدخول أبى غمار التصوف قصة عجيبة غرائبية .. لو حكيتها هنا ، لتحيَّر كثيرون. فلنتمثل بما قاله (أبو حامد الغزالى) يوم سُئل عن سر دخوله للتصوف ، فقال شعراً : قد كان ما كان مما لست أذكره فظن خيراً ولاتسأل عن الخبـر آخر العـالم كنت أعانى الوحدة القاسية فى طفولتى ، وضقت ذات يوم بوحدتى وبالحصار الصارم الذى يفرضه علىَّ جدى لأمى .. فغافلت الجميع وتسللت إلى منطقة (غيط العنب) وظللت مصمِّماً على أن أصل إلى نهاية الكون -كان سنى آنذاك سبعة أعوام- وفى أوان المغرب وصلت إلى مبتغاى الذى ظننته وقتها آخر العمران البشرى :
سور مهول، يمتد إلى مالانهاية فى آخر منطقة غيط العنب (أعرف الآن أنه سور شركة الغزل والنسيج) .. وأيقنت من وقتها، أن الإنسان إذا واصل سعيه دون كلل ، فلابد له أن يصل! كنت قد أُلحقت بمدرسة خاصة ، وفى إجازة الصيف التى من المفترض أن أدخل بعدها للصف الثالث الابتدائى .. أُخرجت من المدرسة (غالباً لأسباب مالية) وأُلحقت بمدرسة حكومية ، لأعود طبقاً للتقسيم العمرى ، إلى الصف الأول الأبتدائى بمدرسة راغب الإبتدائية .. كانت مدرسة جميلة (صارت بعد ثلاثين سنة مدرسة لغات نموذجية !) بيد أن التلاميذ فى أيامهم الأولى كانوا يبكون لفراق أهلهم .. فأتعجب من بكائهم ، ثم كانوا يكلفونهم بعد ذلك بواجبات منزلية ، اتعجَّب من تفاهتها . وهكذا لم اتأقلم مع أقرانى بالمدرسة الإبتدائية ، كنت أرى نفسى أكبر (مع أنهم فى سنى) لاسيما بعدما صارت القراءة هى شاغلى الأول -بل والأخير- فاتَّسع الوعى وضافت العبارة وثقل الكلام مع أهل الزمان ..
(كتب المدرسون فى تقريرهم المدرسى ، أننى : تلميذ هادئ لايحب الكلام واللعب ويهوى القراءة) . نقلنى خالى (فتحى هاشم) إلى أفق القراءة الواسع ، يوم ذهب بى إلى قصر ثقافة الحرية ، كنت آنذاك فى الحادية عشرة من عمرى .. التهمت مكتبة الأطفال فى شهرين ، وصرت أتسلل إلى مكتبة الكبار ، لأقرأ ما كنت أظن أنه : الكتب الحقيقية . الحب الأول على مشارف الثانية عشرة من عمرى ، كانت موظفة مكتبة قصر ثقافة الحرية تخرجنى من القاعة المخصصة للكبار (مراعاة للسن) فأعود فى اليوم التالى متسللاً ..
فتخرجنى .. فأعود . وذات يوم ، اغتاظت منى الموظفة ، فجرتنى إلى مديرة القصر لتطلب منها عدم السماح بدخولى القصر نهائياً ، وحكت لها ما جرى من تسللاتى السابقة .. كانت المديرة فى حدود الثلاثين من عمرها اليانع ، تشع بهاءً لم ينل منه الفستان الأسود الذى ترتديه .. نظرت المديرة ناحيتى -بعين رأيتها وقتها بحراً من عسل الجنة- وابتسمت .. فانطلقت أغنيات من خلف الكون، وشعرت بأن الأشياء تلاشت من حولى ، وراحت روحى فى سكرة عجيبة وكأننى غارق فى بحار من اللون المتماوج ، المشع .. أفقت حين توجَّهت بكلامها إلىَّ مستفسرة عن الموضوع ، رجوتها -بكلمات لا أذكرها الآن - أن تسمح بدخولى مكتبة الكبار .. فوافقت، ودعتنى لحضور ندوة فى اليوم التالى لمناقشة رواية (دافيد كوبرفيلد) فقرأت الرواية فى النهار ، وشاركت الكبار فى مناقشتها فى المساء .. فأعطتنى المديرة فى نهاية الندوة قلماً بديعاً ، مزخرفاً؛ هدية من القصر .
فى طريق رجوعى ، التقط نشال القلم من جيبى .. وكانت المديرة قد انتشلت قلبى من بين الضلوع ، وصرت أهيم بها . وكان هيامى عبارة عن نظرة ألقيها كل يوم عليها -من حيث لا ترانى هى - حين أمرُّ على باب مكتبها فى مدخل الدور العلوى لقصر الثقافة .. واستمرت قصة الحب العنيفة هذه ، لعامين أو ثلاثة ، لم أتحدث فيهما مرة مع المحبوبة الرائعة. وكنت قد التحقت بمدرسة العطارين الإعدادية ، ولم تعد مكتبة قصر الثقافة تكفينى .. فعرفت طريقى إلى ميدان المحطة . تُجَّـار الكتب كان بميدان المحطة الفسيح ، جانب يحتله مجموعة من تجار الكتب يشكلون معاً، شيئاً شبيهاً بما كان يعرف فى القاهرة بسور الأزبكية (أقصد سور الكتب الذى صار اليوم بوتيكات) وكان ثمن الكتاب الواحد خمسة وسبعون قرشاً ، وعند إرجاعه بعد أيام ، ينقص عشرة قروش هى ثمن قراءته . .. حين أجلس هذه الأيام لمفاوضة دور النشر الكبرى للحصول على كتب لمكتبة الإسكندرية (التى أعمل بها حالياً مديراً للتزويد ، ومديراً لإدارة المخطوطات والكتب النادرة)
أتذكر مفاوضاتى الأولى مع تجار الكتب بميدان المحطة ، وسعادتى يوم وصلت معهم لاتفاق بأن سعر قراءة الكتاب الكبير (أو الكتابان الصغيران) هو خمسة قروش فقط، لا عشرة . وأودعت لدى كل تاجر خمسة وسبعين قرشاً ، وصرت أخذ الكتاب فأقرأه ، وأعود به وبخمسة قروش لآخذ كتاباً جديداً .. ولما اتَّسع الاتفاق ، كنت آخذ كتابين فى اليوم الواحد، وأقرأهما فى حديقة ميدان المحطة . وأعود فى المساء متفكراً فيما قرأته طوال اليوم . بعدها التحقت بمدرسة العباسية الثانوية ، وكنت كثير الهروب من المدرسة للبقاء فى مكتبة بلدية الإسكندرية أطول فترة ممكنة .. صرت استهين بالمقررات الدراسية ، وأهيم بالمكتبات والكتب .. خاصةً كتب الفلسفة .. خاصة نيتشه . لازلت أحفظ صفحات من كتاب نيتشه (هكذا تكلم زرادشت) الذى قرأته فى أيام المدرسة الثانوية ، وكنت اعتبره أهم كتاب فى تاريخ الإنسانية ! وكانت أغلب قراءاتى الأخرى : يونانية قديمة ، أو غربية حديثة .. وكنت أكره الصوفية ، واعتبرهم شيئاً لا لزوم له فى العالم أو التاريخ .ابن الفارض حين جاء أبى ليصحبنى فى زيارتى الأولى للصعيد ، كان أول شيخ زرناه ، يعيش فى الإسكندرية (اسمه عبد الحليم) .. كان يعيش على سطح منزل جميل بمنطقة كليوباترا ..
حدَّق فىَّ الرجل وقال ما معناه : سوف تصبح سفيراً ، حين تعرف سر النون !! قلت له بحدة : فى العام الدراسى القادم سأكون فى كلية الآداب ، وهى لاتخرِّج سفراء ، وليس هناك شيئاً اسمه (سر النون) حتى أعرفه . حين وصلت إلى الصعيد فى هذه الزيارة الأولى ، التقيت بشيخ آخر من بلدتنا ، اسمه أيضاً عبد الحليم (وَدْنان) فسألنى عن زيارتى للشيخ عبد الحليم فى الإسكندرية ، فقلت له إنه محض رجل جاهل مشعوذ ، فقال : بل أنت الجاهل ! ولما حكيت له ما قال لى الشيخ عبد الحليم السكندرى ، صاح عبد الحليم و دنان : لقد صدق ، ولكنك لا تعرف أن السفير هو حامل (السِّفْر) أى الكتاب ، ولسوف تكون سفيراً بمعنى أنك ستبقى دوماً مشغولاً بالكتب . ولم يوضح لى عبد الحليم ودنان ، ماهو سر النون الذى عاينت معرفته وعاينته بعد ذلك بسنوات ! فى زيارتى التالية للصعيد ، بعد عام كامل ، كنت فى حدود التاسعة عشرة من عمرى..
وكان أحد أعمامى (ابن عم والدى فى الواقع) له أخوالٌ من العرب الساكنين بسفح الجبل ، وكان هو شخصية بديعة : صوفى ، متيم بابن الفارض ، مزواج (كان يقول إن المرأة أبدع شئ خلقه الله) .. فدعانى لزيارة أخواله والأفطار عندهم فى شهر رمضان، فذهبنا . وآونة المساء، سمعت فى حضن الجبل صوت منشد أسطورى اسمه ياسين التهامى (صار الآن معروفاً) يتغنَّى بقصيدة ابن الفارض : التائية الكبرى . فحدث انقلابٌ فى دولة أفكارى ، والتهمت من بعدها تراث الصوفية ، وتخصَّصت فى دراستها .. وكان أول كتبى المنشورة ، هو تحقيق (المقدمة فى التصوف) لأبى عبد الرحمن السلمى ، انتهيت منه حين كنت فى السنة الرابعة بقسم الفلسفة بآداب الإسكندرية ، نشرته بعد تخرجى بخمسة أعوام ..
وكان التصوف موضوع الرسالتين اللذين حصلت بهما على درجتى الماجستير والدكتوراة .. كانت الرسالة الأولى عن عبد الكريم الجيلى وقصيدة الصوفية الطويلة (النادرات العينية) وكانت رسالة الدكتوراة تحقيقاً لديوان عبد القادر الجيلانى ودراسة لطريقته الصوفية ... وتوالت من بعد ذلك كتبى فى التصوف ، تحقيقاً ودراسةً حتى تجاوزت فى هذا المجال العشرين كتاباً .ابن النفيس فى أواسط الثمانينيات انجذبت بقوة لدراسة تاريخ العلوم ، كنت أرى فيه جانباً مقابلاً لتاريخ التصوف ، فأردت أن أجمع بين الجانبين لأرى التجلى الكامل للعقلية العربية الإسلامية عبر تاريخها الطويل ..
وأثار ابن النفيس اهتمامى بشكل بارز ، فأصدرت عنه أربعة كتب نالت عام 1994 جائزة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية / مؤسسة الكويت للتقدم العلمى ، فى مجال الفقه الطبى وتحقيق التراث وفق أصول فن التحقيق .. وبعدها بعام، نالت كتبى فى مجال التصوف جائزة عبد الحميد شومان للعلماء العرب الشبان (الأردن) . وكان يراودنى دوماً ، حلمٌ عريضٌ طالما بدا لى بعيد المنال .. هو تحقيق كتاب الشامل فى الصناعة الطبية لابن النفيس ، وهو أضخم عمل فى التراث العلمى الإنسانى يكتبه شخص واحد (يقع كاملاً فى ثمانين مجلداً) . وهأنذا عاكف منذ أواسط التسعينيات على نشر الشامل وانتهيت هذه الأيام من الجزء الرابع والعشرين منه ..
ولا يزال أمامى عامان للانتهاء منه . التواصل التراثى يرى كثيرون أننى مجنون بالتراث والمخطوطات ، وبعضهم يعبر عن ذلك بصورة مهذبة فيقول : عاشق المخطوطات (وهو عنوان كتاب صدر مؤخراً عن أعمالى التراثية) .. والمتخصصون فى المجالات التراثية ينظرون بشئ من التقدير لأعمالى (فهرسة 18.000 مخطوطة ، ونشر أكثر من أربعين كتاباً ) لكنهم لايعلمون كيف بدأ انشغالى التراثى ، منطلقاً من صالات المزادات ! العطارين منطقة عتيقة بالإسكندرية ، شهيرة ، تمتلئ بمحلات العاديات والتحف الأثرية، وفيها صالات (ودكاكين صغيرة) للمزادات .. وهى قريبة من المنطقة التى نشأت فيها ، وكنت كثير الشغف بالتجول فيها أيام صباى . ولما صارت عندى (ميزانية) كنت التقط بعض الأشياء القديمة ، بسعر رخيص جداً ، وأعكف على إصلاحها وتلميعها وإعادتها لرونقها الأول .. كنت أجد فى هذه الهواية سعادة بالغة ، وحين أتامل اليوم سعادتى بع مليات (الإحياء التراثى) .. أتذكر هوايتى القديمة
!